وطنى




مدينةٌ على ضفافِ الظلام

على صَهوةِ الزمانْ
قصدتُ مدينةً
كانت مدينتي
مدينةٌ
على ضفافِ الظلامْ
****
هناكَ
انتحرَ القمرُ
وتمزقت
أحشاءُ الأحلامُ
****
هناكَ
تكومت قاذوراتْ البشرْ
وتعفنت الأيامْ
****
هناكَ
إنسانٌ مع الإنسانِ
قد اقتتلْ
طالما هو
مِنْ سلالةِ ابني آدمْ
فهو إما
قاتلٌ أو مقتولْ
إما
ظالمٌ أو مظلومُ
إما
حاكمٌ أو محكومْ
****
هناكَ
عُشُ عصفورْ
يجاورُ وكرَ أفعى
****
هناكَ
صيادٌ وفريسةْ
وكواسرُ جوعي
****
هناكَ
ليلٌ بلا نهارْ
ليلٌ بلا نجومْ
****
هناكَ
ضياءٌ بلا نور
وشمسٌ قد اُغتِيلتْ
واُلقي بأشلائِها
في غيابتِ الغيومْ
****
هناكَ
بشرٌ بلا أجسادْ
وأجسادٌ يسكنُها وحوشْ
****
هناكَ
ضميرٌ قد احترقْ
وقصورٌ شُيدِتْ
على النعوشْ
****
هناكَ
أمنٌ بلا أمانْ
وصروحٌ بلا أسوارْ
وأشجارٌ بلا أفنانْ
****
هناكَ
سادةٌ بلا سيادةْ
وأقزامٌ تقمصوا الريادةْ
****
هناكَ
تُوأدُ الأماني
وتنتحبُ الأغاني
****
هناكَ
ابتسامةٌ في طريقِ الشفاهِ
قد تمزقتْ
ودمعةٌ إلى طريقِ الجفونِ
قد اهتدتْ
****
هناكَ
وطنٌ يَهوى في غيابتِ الجبِ
والسيارةُ لا تلتقطُهُ
فالنَخوةُ في نفوسِهم
قد هوتْ
****
وطني أبدا ستبقى

وطني أبدا
لن تموتْ
أنتَ الحقيقةْ
والحقيقةُ
لا تموتْ
****
سرقوا الترابَ
وهو لقبورِهمُ
المهدْ
واستعصتْ عليهمُ
خزائنُ المجدْ
فمجدُكَ شمسٌ
لا يطاولُها الطغاةْ
مجدُكَ نارْ
تَحَرِقُ العُصاةْ
****
دِيدانُ أرضِكَ
تقمصتْ دورَ الأفاعي
فتمزقت وتناثرت
****
وفى سمائِكَ
كراتُ ضوءٍ
تُلقى بذورَ النورِ
في رحمٍ قد أجدبتْ
****
وطني أبدا ستبقى
بأنشودةِ الدهرِ
يُسجِلُها التاريخُ
على صفحةِ النهرِ
****
وطني أبدا ستبقى
بفورةِ شبابٍ
وجوهِهم كالقمرْ
وكلابٍ ضالةْ
تحترقُ كالشررْ
****
وطني أبدا ستبقى
بسنابلِ خيرٍ
تُطاولُ السماءْ
وشهبِ نارٍ
تسحقُ الجبناءْ
****
وطني أبدا ستبقى
صنعتُ لكَ عقدا
مِنَ الأماني
ووترا عليهِ تُعزَفُ
الأغاني
وكتابَ شعرِ وبندقيةْ
وبين كتابِ شعري
والبندقيةْ
زرعتُ لك طريقا
للحريةْ
وطني أبدا ستبقى
****
مصر تتحدث عن نفسها في القرن الحادي والعشرين
لماذا قُدِرَ لي
أن أكونَ أمُ الدنيا
وبأمومتي
قد كفرَ الأشقاءْ
****
لماذا قُدر لي
أن تُظِلُني
سماءٌ بلا نجومْ
وشمسٌ بلا ضياءْ
أن اصنعَ
من الأحزانِ أقمارْ
وانثُرُها
في آفاقٍ سوداءْ
****
لماذا قُدر لي
أن اغزلَ
من الأيام قُضْبانْ
وانسِجُها
لأبنائي أكفانْ
أن ارتوى
بماءٍ كالمهلِ
يَشوى
دعائمَ البنيانْ
****
لماذا قُدِرَ لي
أن تسيلَ
دموعي نهرا
يَسرى
بين أشلاءِ الأمنياتْ
أن يُنتَهَكَ
عِرضي ألفَ مرةٍ
ويغتصِبُني
ابنٌ عاقْ
يستَبِيحُ الحُرُماتْ
****
لماذا قُدِرَ لي
أن أري أوصالي
قد تقطعتْ
وأحشائي
قد تمزقتْ
****
هذا ليس بقدرٍ
ولكنه
عِصيانُ ابنٍ طغى
بجبروتٍ زائفْ
وخضوعُ ابنٍ جثي
بقلبٍ خائفْ
فهذا وذاكَ
قد أهدُوني
ثِيابَ  شِقوتي
وحَفروا الهاويةَ
ليواروا
رُفاتَ نهايتي
****
زواجٌ باطل
سلطانٌ فاجرٌ
ومالٌ مسمومْ
جَرحوا طهارتَكِ
بزواجٍ مزعومْ
****
نُطفةُ سِفَاحٍ
بَذَرُوها في أرضِكِ
جنينٌ مشوه
مزقَ ثيابَ عِرضِكِ
****
لم تَلدهُ رَحِمُكِ
بل تَقيأتهُ
أحشائُكِ
بلا مَخاضٍ
لفَظَ جسدُكِ
مسخا قد لوثَ
أنحائَكِ
****
ابنُ سفاحٍ
يشوهُ وجهَ جميلتي
يقتلُ الأزهارَ ويتجرعُ
الدماءْ
نهرُكِ في حضنِ البحرِ
يصرخُ
أنقذوا فتاتي فهي مازالت
عذراءْ
****
ذِراعُ القدرِ
تحتوى مُهجَتَكِ
بيدٍ حانيةْ
تُجففُ دمعتَكِ
****
لا تحزني يا صغيرتي
فالقِصاصُ قد أظلنا
زمانُه
نطفةُ الخلاصِ
في رَحِمِكِ يُداعِبُها
حنانُه
****
الفجرُ الجنينُ
بين أحشائِكِ يُراودُ
لحظةَ مَخاضِهِ
صرخةُ الوليدِ نهارٌ
يفضحُ ليلَ الفسادِ
يهتِكُ ظلامَهُ
ينسفُ أسوارَهُ
يُحطمُ قلاعَهُ
ويهدمُ أمواجَهُ
****
الطوفان


صاحَ في الأفْقِ
حكيمُ المدينةْ
الطُوفانُ قادمٌ
فاحْذر الموجْ
يا قبطانَ السفينةْ
تَرَفقْ بالجوعي
فالموتُ
يُراودُ أجسادَهمْ
ويُعانقُ عيونَهمْ
السقيمةْ
****
زوارقُ النجاةِ
تمزقت خيوطُها
وابتلعَتها
أحشاءُ البحرِ
الحزينةْ
والهلاكُ
يتقدمُ مُهرولا
وعلى وَقعِ أقدامِهِ
تَعزفُ الريحُ
العقيمةْ
****
مدينتي
تسبحُ في بحرٍ
تبتلعهُ الأنواءْ
وتُمَزَقُ
على شواطِئهِ
رُفاتُ الأحياءْ
****
مدينتي
تستغيثُ بقاتلِيها
وكيف بقاتِلٍ
أن يَرحمَ قتيلَهُ
وقد شقَ عن صدرهِ
ثوبَ الكبرياءْ
واقتلعَ من أرضهِ
نبتةَ الإباءْ ؟
****
هناكَ
تحتَ أقدامِ الليلْ
ترقدُ البيوتْ
جدرانُها الريحْ
وسقفُها
أجنحةُ الغُربانْ
وفحيحُ الحياتْ
****
والحبُ الجريحُ
قد انزوى
في ركنٍ بعيدْ
بين صناديقِ
الأشلاءْ
الحسرةُ تلتهمُ
فضاءَ عينيهِ
وقلبُهُ قد تمزقَ
تحتَ وقعِ النبضاتْ
****
وفاجرٌ سِكيرْ
يُعَربِدُ
خلفَ أسوارِ الموتْ
يَترنحُ
فوقَ تلالِ الصَرخاتْ
ويتراقصُ
على أصواتِ الآهاتْ
بين كفيهِ
زجاجةُ خمرِ حمراءْ
دمُها يَقطُرُ
من بينِ أنيابِه
فيُحرقُ
الأرضَ الذبيحةْ
ويُخضِبُ
دموعَ الطرقاتْ
****
ورفاقُهُ
يحرسونَ الأبوابْ
يعبثونَ
في جراحِ الجوعى
ويبتلعونَ
أحشاءَ الحياءْ
ينتهكونَ
أحلامَ العذارى
ويعزفونَ على
أوتارِ الفناءْ
****
وسحرةُ الفرعونْ
يلوحونَ بعصيهم
فتَعْوى
طيورُ الظلامْ
وتحتسى الأفاعي
نخبَ الاستسلامْ
****
والنهرُ
يشقُ صدرَ المدينةِ
فتتناثرُ على ضفتيهِ
بقايا الأحلامْ
وتقبعُ في أعماقهِ
حكاياتُ وطنْ
وذكرى أيامْ
****